أنهيتُ صلاتي , شعرت براحة عجيبة وغريبة عادة ما تنتابني بعد كل صلاة
لا اعلم ماهيه ؟
- هل هي راحة من انتهاء وانقضاء ذلك التكليف ؟
- أو أنها لحظات صفاء مع النفس وتجلي مع الله؟
اعلم أن قلوبنا في انشغال دائم مع الدنيا ؟
قد يقول قائل : حتى في الصلاة ؟ أقول له ربما , حتى في صلاتنا ؟
انتهت صلاتنا المفروضة ,, اجبرها الإمام بسجود سهو .
لا اعرف ما الذي جعل الإمام يسهو في تلك الليلة وماذا كان يدور في مخيلته .
مع أننا جميعاً نقف خلفه صفاً واحداً
ولكن مازالت قلوبنا متفرقة !
الجامع كان ممتلئا بالمصلين , إلا أن غالبية المأمومين لم ينتبهوا لذلك السهو ..سوى اثنين أو ثلاثة ؟!!
ربما أن الدنيا كانت تسكننا وتستحوذ على بقايا تفكيرنا أثناء تأدية الصلاة ؟؟
بعد انتهاء الصلاة ,,
البعض كان مستعجلا ,, لم يسعفه وقته حتى للتسبيح فخرج متخطيا كل تلك الصفوف ....... فالدنيا تطلبه ؟
والبعض على وجه السرعة يريد إنهاء ما تبقي من ركعاته
والبعض الآخر اخرج جواله ليرى من كان يتصل عليه أثناء صلاته؟
البعض ظل جالسأ لم تشغله دنياه فصار يسبح ويكبر ويهلل؟
في ذلك الوقت الكل كان مشغولا بما أهمه ؟
حتى أنا ؟
في تلك اللحظات كنت أتابع الجميع حتى ذلك الإمام !
نظرت في وجهه بعدما استدار نحونا .. تبدو هيئته جميلة ..رجل ملتحي
غترته البيضاء تتدلى فوق عينيه يرمق المأمونين بنظراته . يتمتم بشفائفه الاذكار
قلت : مسكين انت أيها الإمام لقد تحملت أمانة هذه الصلاة كاملة..
وتذكرت قول الرسول الكريم عن الإمام ( إن أصاب فله ولكم, وإن أخطأ فعليه ولكم)
فما اثقل الحمل !
عندها ,, تبادر إلى ذهني كلام الرسول عليه الصلاة والسلام
عندما قال ( أرحنا بها يا بلال )
ربي لم نعد نعلم هل هذه الراحة هو بانقضاءها أو هو تلذذاَ وراحة بها
كل ما نرجوه أن يتقبل الله منا .
خرج الجميع من ذلك الجامع ..
هدوء عم المكان ..
وأنا مازلت على وضعي أفتش في مكامن الخير من بقايا نفسي !
في زاوية بعيدة هناك .. شيخ كبير رافعا يديه يدعو في خشوع
تارة ينظر الى السماء وتارة اخرى الى الارض وهو يهز برأسه ويمسح ادمعه مع كل كلمة .
يالجمال ذلك المنظر ,, احساس صادق مع الله .. خشوع وانحناءة أمام يدي الخالق
ترى ماذا كان يقول ؟
نظرت لقلبي ,,وقلت يالقسوة هذا القلب !
ذهبت اليه ببطء واقتربت منه ..وهمست له في خوف
قلت : ادع لي ياشيخ !
نظر باستغراب نحوي ...وكأني قد قطعت عنه حبل تلك المناجاة ؟
قلت : بالله عليك ياشيخ ادع لي معك ! هز رأسه لي بالقبول
ذهبت عنه.. وسرعان ما عدت اليه مرة اخرى – وتوقفت بجواره
توقف عن الدعاء ونظر الي في استغراب
فقلت له : اسمي طلال ادع لي ياشيخ بالاسم ؟
هز برأسه مرة اخرى وتركته وهو في قمة مناجاته .
رجعت الى نفس مكاني وانا اقول تعسا لهذا القلب القاسي ؟
ما بالنا كلما نكبر نقسو فتقسوا قلوبنا !!
عندما كنا صغاراً ,,لم تكن قلوبنا بهذه القسوة !
- حينها تذكرت طفولتي ,,
اذكر أني عشت طفولتي في (قرية كانت آمنة مطمئنة )
لايتعدى عدد سكانها ال200 قروي
– صباحها .. يكشف وجهه على صوت تلك الابتهالات .
- صباحها ,, يتغنى بشروق الشمس
هل تصدقون ؟
أني لهذا اليوم لم أجد صباحاً يماثل صباح قريتي ,,
في هذه الايام يحضر الصباح ويذهب ولا يجد من يستقبله ..
تعيس صباح المدينة فليس له حضور كصباح تلك القرية .
عندما كنا صغاراً نستيقظ مع إطلالة نور الصباح ..
كان ابي يوقضنا بكلمة واحدة لا تتكرر
نتوضأ بعدها لنصلي الفجر ..نجلس سويا على الفطور
ويكرر والدي كل يوم نفس التوصيات التي قد قالها يوم امس والتي حفظتها عن ظهر قلب وهي
1- اسمع كلام الإستاد
2- ولحد يشتكي منك
3- وارفع راسي بين الجماعة ( وانجح )
– اما والدتي
فكانت تضمني حتى اشم رائحة حبها بعد ذلك أًقبلها وتقول لي (ابني احفظ الله يحفظك ) فكنت اردد في نفسي
لفظ الجلالة (الله – الله – الله ) واقول في خاطري لاتدري أمي انني قد حفظتها عن ظهر قلب وهي لاتزال تلقني هذه الوصية مع كل صباح
– عندما كبرت ادركت ان سمو توصية والدتي لم أكن لأصل إليها .
- بعد تللك التوصيات المتكررة
احمل حقيبتي وانطلق مسرعاً نحو مدرستي وحتى أصل مبكرا لها كنت ادخل قبعتي داخل جيبي لكي لاتقع مني وارفع ثوبي واضع حقيبتي بداخله ثم اربط به خصري وانطلق مسرعاً الى المدرسة في سباق مع الريح اعبر الوادي واتفادى الاشجار والاحجار حتى اكون انا الاول في طابور الصباح ,
صديقي حمدان كنت احقد عليه دائما
فهو عادة مايسبقني الى الطابور فمنزله بجوار المدرسة – اجمل ايامي هو عندما يغيب حمدان بالطبع سيكون ترتيبي الاول في طابور الصباح بلا منازع
كم يكون كبر فرحتي في ذلك اليوم ,,رغم بساطته .
المدرسين أجانب – وتعذيب الطلاب ليس ممنوع
– المدير يضرب المعلم يضرب
حتى حارس المدرسة كانت يضرب اضافة الى انواع من اللكمات الخطافية التي تسقط على اجسادنا بسبب او بدون سبب من المعلمين .
لامجال للشكوى فالمعلم حينها هو الآمر الناهي المهاب المحترم في تلك القرية
كان هناك معلم سوداني اسمه ( خِضر ) هو الوحيد الذي كنا نحبه لا اذكر انه قد ضرب أي طالب – رحمه الله
عند انتهاء الدراسة نعود الى بيوتنا مجهدين متعبين لنحظى بوجبة الغذاء ولنستذكر دروسنا خوفا من العقاب في اليوم التالي –
قبل العصر نذهب للتحفيظ في مسجد القرية
– وفي قمة المعاناة تودعني أمي كعادتها لتقول (ابني احفظ الله يحفظك )
أما والدي فكان يسبقنا الى المسجد للصلاة ونحن نتباطأ في المشي بعده
لنلعب فهو الوقت الضيق المسموح لنا به
ونستغله باللعب مع اقراننا وعادة ما نتأخر عن الصلاة حتى اذا ما وصل الإمام الى التشهد الاخير تجدنا نركض لندرك الصلاة والأدهى من ذلك اننا نُسلم مع الامام
خيفة من الوالد والامام ولإيهامهم اننا ادركنا الصلاة من بدايتها .
معلم التحفيظ يطلق عليه في القرية اسم ( المطوع )
فهو الإمام والمأذون والطبيب والمعلم والخطيب ومغسل الموتى وهو الراعي الرسمي لحل الخلافات التي تحدث بين اهل القرية وهو اول المدعويين في كل مناسبات القرية وهو الوحيد الذي يملك سيارة جديدة .
وهو من يملك عصى طولها مترين – حتى لايرهق نفسه عناء الوقوف والذهاب لضربنا فالعصى التي بيده توصله لمبتغاة بأقصر الطرق
– كان يضربنا بمناسبة وغير مناسبة – تارة يضربنا ويقول ارفعوا اصواتكم بالتلاوة وتارة يضربنا ويقول اخفضوا اصواتكم
–اصعب اللحظات عندنا هي عندما
كان يستدعينا للتسميع أمامه – لديه يد تبارك الرحمن استطيع ان اقول انها تغير من ملامح الوجه وكم اذاقنا منها حتى شبع وتشبعنا .
لم يطل بي المكوث بالقرية طويلا – حتى انتقلت الى المدينة وعمري 10 سنوات
وقد حفظت ترهيباً وليس ترغيباً حتى سورة القارعة .
استيقظت من حلم طفولتي وانا
ما زلت في هذا الجامع اتذكر تلك الايام و انظر الى هذا الشيخ الكبيرالذي مازال حتى الان في مناجاة من الخالق عز وجل
وأحن الى ماض تركناه لم تعرف القلوب فيه تلك القسوة
اليوم كبرنا يا أمي وقست تلك القلوب
لم اعد اتذكر في هذه الحياة يا أمي الا تلك التوصية التي ما زلت احفظها
عن ظهر قلب ,,, (احفظ الله يحفظك)
لقد جعلتني اعيش معك تلك اللحظات الجميلة وأستشعر كل ما فيها من وقفات ...واتزود من حنان الأم وهيبة الأب وقسوة المعلم وروحانية الشيخ الكبير وخشوع الإمام...
إن جمال نصك لايضاهيه الا سلاسة الأسلوب.... وبساطة التعبير مع قوة المعنى ,,,,,,
لقد جعلتني اعيش معك تلك اللحظات الجميلة وأستشعر كل ما فيها من وقفات ...واتزود من حنان الأم وهيبة الأب وقسوة المعلم وروحانية الشيخ الكبير وخشوع الإمام...
إن جمال نصك لايضاهيه الا سلاسة الأسلوب.... وبساطة التعبير مع قوة المعنى ,,,,,,
تقبل مروري المتواضع ودمت بكل ود
للذكريات طعم مُر ولكنها تبقى شهية
والواقع كذلك
على مرارته يبقى صالحا للحب
هل سيتجرأ أحدٌ ما ويكتب صفحة من حياته كما فعلت ! ( أرجو ذلك )
لربما تكونُ سننتَ سُنة هنا لن يطبقها إلا الأنقياء
ليتك بجانبي الآن لأقبل رأسك .
مرحبا بك يا ابا خالد
ياصاحبي,,,
ذكرياتنا تحتاج اكثر من نص لكي تعود
بل ربما نحتاج لأكثر من 28حرفاً لنسترجع ما اقصته الذاكرة
صفحات بيضاء انقضت من اعمارنا ,,وكلما اصطدمنا بواقعنا عدنا لها
ولكن هي الحياة يا صاحبي
ابوخالد
لن تذهب حتى اقتص منك وأعيد قُبلتك التي منحتني اياها ,
دمت بود وعافية
من يشارك الأخرين ذكرياته ومشاعره .... كريم يستحق قبلات على وجنتيه
في هذا اليوم المبارك ... الجمعة
الله يوفقك ويجعلك من السعداء
مشاعر صادقة ,,,من قلب صادق
لاحرمني الله هذا الحضور الجميل
مع اني لست من هواة الكتابة عن الذات.
ولكن هذا لا يمنع من الاستمتاع بنزهة بريئة على شواطئ ذكرياتنا.