logo

قديم 30-12-2017, 04:15 PM
  المشاركه #49
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 17

حالة من الذهول أصابتنا... حاله تشبه لعمليات التنويم المغناطيسي، كنت أقاوم ذلك الصراع... لن يستطيع أحد أن يرغمني على دخول الكهوف مجدداً... لن يستطيع أحد لا تنويمي ولا إيحائي ولا هم يحزنون... انطلق ذلك الغضب المكبوت في أعماقي... انطلق بقوة... انطلق ليوقف ذلك الإيحاء السخيف الذي لا أعرف من أين يأتي؟؟ انطلق ليخرجني من حالة الذهول... انتفضت وقلت:
- هاني... عادل... هيا لنغادر الآن ودون تأخير.
فكرة أن أدخل الكهوف بعد ما حدث كانت كافية أن تهز كل كياني وتفجر جميع براكين المشاعر من الخوف والرعب... انتزعتهم من حالة الذهول، الغريب في الأمر هي حالة عادل، لقد أفاق هاني من حالة الذهول أما عادل فلا... فقد كان المسكين في حالة ذهول تامة وكأنه لم يعد يحس بالعالم الخارجي... كان يتمتم بكلمات غريبة ونظراته تائهة خاوية من المشاعر... قال هاني:
- ماذا أصابه يا ترى؟؟ قلت له:
- لا أدري؟ قال:
- ربما تكون صدمة عصبية نتيجة لما مر بنا من رعب. قلت له:
- لا يمكن ذلك، لو أنها صدمة عصبية لأصابته داخل الكهوف، عندما كنا نواجه الرعب مباشرة، وليس الآن ونحن في وضح النهار.
إقتربت من عادل فلم يشعر أو يحس باقترابي... يا إلهي ما الذي حدث له؟ هل أصيب بحالة من حالات الجنون لا أدري؟؟ اقتربت منه وصرخت في أذنه بأعلى صوتي:
- عادل... عادل... عادل، نظر إلي بنظرة خاوية وقال:
- ماذا ماذا... كانت نظرته غريبة... نظرة فارغة تخفي رعباً... نظرة ليست بشرية على الإطلاق... قلت لهاني:
- ربما أصابه مس، قال هاني:
- إنها الطامة الكبرى... يا إلهي، جبال موحشة وبعيدة عن المدن والمستشفيات ماذا سنفعل؟
كان عادل يتمتم بكلمات غريبة، اقتربت مع هاني منه فلم نفهم منها شيئاً سوى كلمتين فقط، اهتزت لها كل خلجاتنا وأبداننا وأعصابنا، وارتعشت لها أوصالنا... كلمتان كانت تحمل لنا رعب الدنيا كله... هل تتوقعون ماذا كان يقول عادل؟؟ لقد قال: سنعود إلى الكهوف... ومرة أخرى يكرر سنعود إلى الكهوف هي مسكني...

كانت صدمة لنا لم نكن نتوقعها على الإطلاق، أن يصاب رفيقك بشيء تجهله فهذه المصيبة الكبرى، لم نكن نعرف ماذا سنفعل فذلك لم نكن نتوقعه أبداً، أسرع هاني إلى تجميع أغراضنا ولحقت به وهمست له:
- أسرع... سوف نغادر على الفور، قلت له ذلك بصوت منخفض ورد بنفس الصوت:
- هذا ما كنت أفكر فيه أيضاً. انطلق صوت عادل بقوة ولهجة آمرة لم نعهدها فيه من قبل، قال:
- لن نغادر، سوف نعود إلى الكهوف. كان واقفاً ينظر إلينا بنظرات التحدي... يا إلهي، كيف سمعنا؟ لقد كانت المسافة قصيرة بيننا وتكلمنا بهمس، لقد تأكد لنا أن هناك شيء غير طبيعي يسيطر على عادل... يا إلهي... ما العمل؟ ولم لا ينتهي هذا المسلسل المرعب؟
إنفجرت كلمات عادل بيننا ليتوقف الدم في عروقنا ولنتأكد أن عادل لم يعد عادل الذي نعرفه، لقد سيطر عليه شيء غريب، قلت في السابق أن الشمس قادرة على أن تزيل الرعب وتقهر الأشباح... وذلك صحيح، لكن موضوع عادل كان يشكل لنا رعبا من نوع آخر، رعب اسمه عادل أو... لا أدري من أصبح؟؟ المهم نحن في ورطة كبيرة، ماذا سنفعل وكيف نتصرف؟؟ المغادرة تعني الصراع مع عادل وإرغامه على المغادرة معنا... صراع لا نعرف الجانب القوي فيه، فنظرات عادل كانت توحي بتصميمه على العودة وتعنى التحدي الكامل، والشراسة المستشفة من لهجته شراسة وعدوانية من كأنه لا يعرفنا، وهي عكس طبيعة عادل. الحيرة تملأ نفسي، ماذا سنفعل: قلت لهاني ذلك فانطلق الجواب من فم عادل: بسيطة... سنعود على الفور إلى الكهوف فهي موطني.
يا إلهي... لقد جن عادل بالتأكيد، وإلا كيف يقول ذلك؟؟ موقف لا يحسد عليه، موقف يحتاج إلى دقة التصرف والسياسة، قلت ذلك لنفسي، نظرت إلى هاني وقلت له:
- ليس هناك مشكلة، سنعود إلى الكهوف... كلماتي كانت صدمة لهاني المسكين، والذي نظر إلي نظرة غريبة مشككة كأنه يظن أنني قد جننت أيضاً، ولكني غمزت له بطرف عيني ليتفهم الوضع، فقال:
- حسن... على رأيك نعود، نعود.
لقد قلت لكم أنني من أول يوم دخلت فيه منطقة الجبال والمفاجآت والأمور الغريبة لم تنتهي... نفس الإيحاء السابق عاود مرة أخرى لأحس به بقوة، شيء يشبه أن يكون هناك من يتكلم داخل عقلي... لقد كانت كلمات واضحة تقول:
- لا ترجع إلى الكهوف السابقة وأدخل إلى الكهف الكبير مع رفيقيك ولو باستعمال القوة.
يا إلهي... ما هذا الذي يحدث بالتحديد؟؟ لقد تحطمت كل القوانين الطبيعية التي أعرفها، ودخلت قوانين جديدة... تسمع معها كلاماً دون أشخاص يتكلمون ودون أن ترى أحداً... كلام أشبه بالتخاطر العقلي... لطالما سمعت أن هناك تخاطر عقلي يحدث بين التوأم، ويحدث بين الأم وأبنائها الرضع، فتشعر الأم أن ابنها قد أزال غطائه وأنه بردان أو أنه جائع، وذلك باتصال دقيق أشبه بالتخاطر، ولكن... أن يحدث ذلك معي فهو شيء غريب... والغريب أنه عند سماعي لهذه الرسالة العقلية كما سميتها، نظرت لأجد أن نظرت التحدي والشراسة والحقد في عيون عادل قد زادت وتجلت واضحة... وازداد الموقف سوءً؟؟

لم نعد نستغرب شيئاً خلال هذه الرحلة المشؤومة منذ دخولنا إلى منطقة الجبال الرهيبة، فكل الأحداث كانت غريبةً مبهمةً وتسير بعكس القوانين الكونية التي كنا نعرفها... كل ما حدث لن تجد له تفسيراً منطقياً واحداً يصدقه العقل... بدايةً بالغربان ونهايةً بهذه الكلمات التي سمعتها في أعمق أعماق عقلي... كل الأحداث غريبة إلى درجة أننا أصبحنا نتوقع حدوث أي شيء، لكن ما لم يكن في الحسبان وما لم نكن نتوقع حدوثه... هو أن نضطر إلى أن نتقاتل مع بعض... مع عادل... كل المعطيات كانت تؤكد ذلك... عادل لم يعد عادل الذي نعرفه، لقد انقلبت نظراته إلى نظرات غريبة مخيفة رهيبة... كلها حقد وشراسة، لقد سيطر على عقله شيء ما دون شك... شيء رهيب مخيف... كان واقفاً ينظر إلي نظرة تحدي رهيبة، ازدادت شراسة بعد أن سمعت تلك الرسالة غريبة المصدر... وكأنه قد سمعها أيضاً.

تأزم الموقف ولم نعد ندري ماذا نفعل؟؟ هاني المسكين كان ينظر إلي وكأنه يتمنى أن أجد حلاً لهذه المصيبة... الموضوع يحتاج إلى استعمال السياسة... قلت لنفسي ذلك، فلم يكن هناك حل آخر غير ذلك، قلت لهاني:
- عادل على حق... سوف نعود إلى الكهوف. كاد هاني أن يقع على الأرض عندما سمعني قلت ذلك، لكني غمزت له بطرف عيني ففهم ذلك بسرعة، وقلت له:
- هيا يا هاني... إجمع أغراضنا بسرعة. تكلم عادل حينها وقال:
- نعم أسرع لنعد ونبقى هناك إلى الأبد.
كلماته ارتعشت لها كل خلايا جسمي وعقلي، ولكني سيطرت على ذلك... وانطلق عقلي المضطرب بسرعة يفكر... علني أجد حلاً واحداً لهذه المصيبة... كانت المعطيات التي اهتدى إليها عقلي ثلاثة:
1- عادل أصيب بمس أو نوع من أنواع الجنون.
2- إذن سوف يقاتلنا إذا امتنعنا عن العودة، أو سيعود ويتركنا إذا لم يستطع إجبارنا على الرجوع إلى الكهوف، وهذه في حد ذاتها مشكلة كبيرة لنا... أن نعود بدونه وأن نترك رفيق الدرب رغم أنه قد أصبح شخصاً آخر أو كياناً آخر مرعبا.
3- نحن لا ندري ما الذي يسيطر على عقله وما مدى قوته البدنية؟؟
بعد صراع داخلي بين وبين نفسي، اهتديت إلى حل ظننت أنه الأحسن من بين مجموعة من الحلول خطرت على عقلي المضطرب، وهو أن ندخل به إلى الكهف الكبير كما قال صاحب الصوت، وهذا رغم خوفي من الكهوف ورغم أني أقسمت ألا أدخل أي كهف... فربما شفاء عادل من حالة المس التي أصابته، تكمن في دخولنا.
أشرت إلى هاني إشارة فهم معناها... السنوات الطويلة وفترة الطفولة ومشاكلنا بالمدرسة والحي... كانت كفيلة بخلق نوع من التفاهم العقلي بيني وبين هاني، فقد كنا نشكل فريقاً مشاكساً مع بعض... ولذلك فقد فهم مغزى إشارتي مباشرةً... وكانت إشارتي هي الانقضاض على عادل.

كان هناك هاجس في نفسي ينبئني أننا إذا عدنا إلى الكهوف السابقة، فلن يكتب لنا النجاة على الإطلاق، وستكون هناك قبورنا... ولذلك كان الأمل الوحيد أن ننتصر على عادل ونقيده وندخل به إلى الكهف الكبير... وكان أنسب وقت عندما يدخل السيارة... سنمسك به ونقيده وهكذا كانت الخطة ولكن حدث شيء لم يكن في الحسبان فقد ...........

يتبع الحلقة 18




 
 
قديم 30-12-2017, 04:16 PM
  المشاركه #50
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 18

فقد استدار عادل عندما قلت له هيا اركب السيارة... استدار وانطلق يركض... وفي اتجاه الكهوف، ليزيد الوضع سوءً وتعقيدا، كان هاني قد أدار محرك السيارة، فقفزت جانبه وقلت له: هيا لننطلق. المسافة بين الكهوف والكهوف السابقة كانت حوالي 12 كيلومتراً تقريباً، وهذا بحسب عداد السيارة، وعادل كان ينطلق بسرعة كبيرة مثيرة للعجب... قواه البدنية لم تكن تسمح بذلك... عادل الذي يكره ممارسة الرياضة ينطلق بهذه السرعة؛ قال هاني:
- عجيب ما أصاب عادل، لم أعهده يستطيع الركض بهذه السرعة أبداً، لا أدري لماذا فعل ذلك؟؟ لا بد أن يكون قد شك في الأمر... أو أن هناك قوة خفية معه كانت ترصد تصرفاتنا وتحركاتنا، وإلا لما فعل عادل ذلك، فقد كان من يسيطر على عقله يعرف بخطتنا التي فشلت من أول مراحلها.
كانت المطاردة بين شخص يركض على رجليه، وسيارة في الظروف العادية، ليست وجه مقارنة، ولكن في هذه التضاريس الصعبة للجبال والطرق الملتوية والصخور، كان الوضع يختلف... السيارة كانت تحتاج إلى أن تلف وتدور وتبحث عن طرق ممهدة، ولكن عادل لم يكن يحتاج إلى ذلك... لقد انطلق من بين الصخور يتقافز في سرعة كبيرة وبدراية بكل المسارب... دراية خبير بالمنطقة... وكأنه يعرفها بالشبر... ويعرف كل مسالكها ودروبها... قال هاني:
- لن نستطيع إدراكه بالسيارة، فقد سلك طريقاً أخرى غير ممهدة... وستكون مشكلةً كبرى إذا بلغ الكهوف قبل أن نمسك به... ماذا سنفعل؟؟ - ستكون نهايتنا إذا دخلنا خلفه،أجبته بذهول... فرد هاني:
- هناك فكرة أخرى... أن نقطع عليه الطريق وذلك بأن ننطلق بسرعة أكبر.
حيث أن الطريق كانت تأخذ منعطفاً كبيراً يشبه نصف الدائرة... وعادل كان ينطلق بشكل خط مستقيم حيث المسافة تكون أقرب... اتبع هاني قوله بالتنفيذ، فالوقت كان ضيقاً و لم يكن يسمح بالنقاش... لم يكن يسمح على الإطلاق... وانطلق هاني بسرعة مكتسبة من تراكم عدة مشاعر في نفسه... من الخوف والاضطراب والشعور بالمسؤولية... فقد كان هو صاحب فكرة رحلة الصيد هذه كذلك... انطلق بحكم خبرته الرهيبة في قيادة السيارات، فقد كانت هوايته المفضلة السباقات والدوران بشكل دوائر، ولذلك كانت انطلاقته سريعة، وكان يتفادى الصخور وينعطف ويدور بطرق تثبت تمكنه من فن القيادة، وكنت أتمنى أن يعطي ذلك نتيجة... أن نصل إلى النقطة التي نقطع فيها على عادل طريق العودة والدخول إلى الكهوف، ونستطيع الإمساك به وإرغامه على العودة أو دخول الكهف الكبير حسب ما نقرر في حينها... وبالنظر إلى السرعة التي ننطلق بها وقياساً بسرعة الإنسان، فإننا سوف نصل قبل عادل بفترة زمنية كافية... نستطيع أن نتدبر فيها أمورنا وهكذا كنا نأمل.

كنت قد أخرجت قطعة حبل نحتفظ بها لأي طارئ، وقطعت منها قطعة بطول مترين والألم يعتصرني، فقد كنت أعدها لتقييد صديقي، ولكن لم يكن هناك حل آخر أمامنا، كان لابد أن نمسك به ونقيده. وبعد حوالي أربعين دقيقة وصلنا إلى ارض منبسطة، كانت تقع في منتصف الطريق بين منطقتي الكهوف، وكان لا بد لعادل أن يمر منها، ولكن المفاجأة أننا لم نشاهد له أي أثر... أخرجنا المناظير المقربة وفحصنا المنطقة إلى امتداد الصخور ولكن لم نره... قال هاني:
- لا يمكن أن يصل إلى هنا بهذه السرعة أبداً، قواه لن تساعده بعد كل هذه الأحداث، كذلك عادل لا يمارس رياضة الركض حتى يستطيع أن ينطلق مسافة ثمانية كيلومترات دون توقف... لا لا لا يمكن ذلك. قلت له:
- دعنا نقترب بالسيارة. ولكوننا كنا ننطلق بالسيارة نوع TOYOTA Land Cruiser ، فقد قفزت بالصندوق الخلفي ومعي منظار مقرب، حتى أكون مرتفعا وأستطيع المشاهدة بوضوح، وقلت لهاني أن يتقدم في الاتجاه المعاكس ببطء، كنت خلاله أمشط المنطقة تمشيطاً كاملاً... والحق أن خطة هاني كانت خطة فعالة، فقد قطعنا طريق الكهوف، ولا يمكن لعادل أن يعود ويمر بنا دون أن نراه. قال هاني:
- ألم تشاهده بعد؟؟ قلت:
- لا . فقال:
- ماذا لو أنه سوف يختبئ إلى أن تغرب الشمس ويعود إلى الكهوف دون أن نراه؟؟
انفجرت كلمات هاني مرة أخرى لتقلب كل الموازين، فلو أن عادل فعل ذلك... لن نجده على الإطلاق، فالصخور كانت في كل مكان... صخور كبيرة مثل ما شاهدتم في الصور... ويستطيع فيلق كامل أن يختبئ فيها دون أن تراه... فما بالك بشخص... ولكن كنت أتمنى في أعماقي أن لا يحدث ذلك... لأنه إذا حدث فسوف تنقلب كل الموازين ضدنا... هذا إذا كتبت لنا النجاة... كنت مازلت متمسكاً بأمل أن نجد عادل... ولذلك لم أتوقف لحظة واحدة عن تمشيط المنطقة... وفي جزء من اللحظة خيل لي أني رأيت شيئاً على الصخور... صرخت في عادل أن يتوقف حتى لا تهزني السيارة وأستطيع المشاهدة بوضوح... قال هاني:
- هل شاهدت شيئاً؟؟ قلت له:
- ربما وربما أكون واهماً.
قفز هاني جانبي بمنظاره... أعدت النظر إلى البقعة التي شاهدت فيها ما خيل لي... إنها بقعة أو قطعة ملابس على الأرض... وبعد محاولات تمكنت من رؤية ذلك... لقد كان هناك شيء على الأرض... شيء لم أتبينه بوضوح ولكنه كان مثل الجسم، قلت لهاني بأن ينطلق وحددت له الاتجاه... لم يتركني أكمل كلامي حتى انطلق نحو الاتجاه الذي حددته له... وأصبحت المسافة تقترب... والرؤية تتضح... حتى وصلنا... ويا لهول ما رأينا...

يتبع الحلقة 19






قديم 30-12-2017, 04:17 PM
  المشاركه #51
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 19

لقد وجدنا عادل مرمياً على الأرض وقد أنكفأ على وجهه... وكان جثةً هامدةً، وآثار الدماء قد سالت من أنفه، كانت صدمة ارتجت لها كل أعضائنا... ماذا أصابه؟؟ كان دخوله للكهوف أهون علينا من أن نجده جثة هامدة بهذا الشكل...
أسرع إليه هاني وقلبه على ظهره وتحسس قلبه؛ يا إلهي... هل مات عادل؟؟
كانت هذه أصعب لحظة مرت بي في حياتي كلها... ماذا نفعل إذا كان عادل قد مات؟؟؟ لم أعد قادراً على الحركة ولا الكلام... كنت أنتظر فقط أن يقول هاني أن عادل قد مات، وطال الانتظار... وشاهدت هاني يقوم بعمل تنفس صناعي لعادل ويضغط على قلبه، ولم أستطع ال... حتى سمعت هاني يصرخ:
- إنه حي... أسرع وأحضر الماء.
كلماته أطلقت الفرامل التي كانت تقيدني ... بعد سماع كلماته تحركت بسرعة تجمع بين الارتعاش والاضطراب... أحضرت الماء بأيدي ترتعش... وقام هاني بسكب قطرات من الماء داخل فم عادل وغسل به وجهه... المسكين كان في حالة يرثى لها، وربما لو أننا تأخرنا لحظات بسيطة لفارق الحياة... جسمه كان منهك القوة... لقد ركض دون توقف لمسافة ثمانية كيلومترات تقريباً، وهذا ما لم يحتمله جسده المنهك... أحضرت علبة عصير عنب وسقيناه منها لعلها تعطيه بعض القوة، كان يبتلع قطراتها بصعوبة... فتح عينيه بعدها ونظر إلينا بنفس النظرات الغريبة، وتمتم بكلمات لم نفقه منها شيئاً... كلمات بلغة غريبة لم اسمعها من قبل على الإطلاق... ولكنها أثارت فينا الرعب... قلت لهاني:
- لنحمله إلى السيارة. عند ذلك تكلم عادل ويا لهول ما قال!! أتعلمون ماذا قال وهو في حالته التي هي نصف وعي فقط؟؟ لقد قال:
- احملوني إلى الكهوف... احملوني إلى الكهوف أيها الأنذال... وإلا فالويل لكم!!
كلمات أثارت فينا الرعب مجدداً... كلمات صدرت من هذا الجسد المنهك، الذي لا يملك من القوة ما يستطيع به أن يتحرك... كلمات أرعبتنا في وضح النهار... لقد كانت تشكل تهديداً مباشراً... إذا لم نحمله إلى الكهوف فإن الويل لنا... ماذا سنفعل وكيف نتصرف؟؟ عادل لم يعد عادل الذي نعرفه، لقد سيطر عليه كيان آخر... كيان مرعب يعيش في الكهوف ويريد أن يعود به إلى الكهوف، رغم أن المسكين مصاب في رجله وقد تجمدت عليه الدماء من آثار وقوعه على الأرض... ورغم حالته المنهكة إلا أنه كان يحاول النهوض... الجسد المنهك لم يساعده على ذلك فترنح ووقع... قلت لهاني:
- هيا لنحمله ونعد به بسرعة... الغريب أنه فتح عينيه مجدداً وقال بصوت مرعب يشبه فحيح الأفاعي... صوت لم يكن يشبه صوت عادل أبدًا:
- إلى الكهوف أيها السفلة وال وكلمات بذيئة أخرى لا أستطيع كتابتها... كلمات كانت تجمع بين التهديد والوعيد والشتائم... ولكن كان يجب أن نحمله... قاوم ذلك الجسد المنهك، قاوم وقاوم ووقف، كان الكيان الذي يسيطر عليه يستنزف كل قواه، وأراد أن ينطلق نحو الكهوف ولكنه وقع... لم يعد الجسد المنهك يحوي أي قوة، اتخذت قراراً بيني وبين نفسي وأسرعت إلى تنفيذه... لقد أسرعت إلى السيارة وأحضرت الحبل، وقلت لهاني بأن نقيده، فقال هاني أن وضعه الصحي لا يتطلب التقييد... ولكني أصررت على ذلك، وتم تقييده مع صراخه المرعب وأصوات الشتائم البذيئة.
تعاونا على وضعه بالسيارة، كان المنظر مؤسفاً، أن نقيد صديقنا كانت الطامة الكبرى... لو أنه توفي وهو مقيد ستكون جريمة قتل نتهم بها... لن يصدق أحد قصتنا على الإطلاق... لن يصدق أحد... ولذلك كنت أدعو أن لا يحدث ذلك... وضعناه في السيارة من الخلف... كانت عيونه قد انقلبت وتجلت فيها كل معاني الرعب... نظرة مخيفة خالية من البشرية... نظرة تحمل كل رعب الدنيا وكل الحقد... طلبت من هاني أن يقود السيارة وركبت بجانب عادل... حالة غريبة كان يمر بها المسكين... لقد كان يخرج من فمه رغوة بيضاء تشبه رغوة البحر التي تحدث مع الأمواج... وذلك السيل من التهديد والشتائم ولكني لم أنظر إليه... ولا أخفي عليكم أني كنت خائفاً منه فلم يعد عادل الذي نعرفه أبداً... كانت الساعة حوالي الخامسة والنصف مساءً، ولا يفصلنا على غياب الشمس سوى ساعتين ونصف فقط... ساعتين ونصف وينطلق الرعب ولا نعرف بعدها ماذا سيحدث... كان من المفترض أن نكون غادرنا منطقة الجبال لولا هذا الذي حدث لعادل... غياب الشمس في هذه الجبال الموحشة، خاصةً في ظل هذه الأحداث المرعبة، كان يعتبر مصيبة كبرى بالنسبة لنا... مصيبة تحمل لنا رعب الدنيا... سينطلق الرعب من معاقله... ماذا سنفعل وأين سنكون؟؟؟ طلبت من هاني أن يسرع، فقد كان الاتفاق بيني وبينه أن نحمل عادل إلى الكهف الكبير ونغادر قبل أن تغرب الشمس.
وبأسرع ما يمكن كان هاني يقود السيارة، وأصبحت المسافة إلى الكهوف الأخرى والكهف الكبير تقترب وتقترب... ومع اقترابها كانت حالة الهياج تزداد مع عادل وتزداد حتى ...

يتبع الحلقة 20




قديم 30-12-2017, 04:54 PM
  المشاركه #52
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 20

حتى أصبح يصرخ بأعلى صوته وكأنه سيواجه رعب الدنيا، نحن لا نعرف كيف حدث ذلك؟؟ ولا لم حدث ذلك مع عادل ولم يحدث معي أو مع هاني؟؟ كل الأمور كانت تحيرني: الكهف كبير جداً، وأغرب ما فيه أن الضوء لا يتعمق فيه كثيراً، وكأنه قطعة من الليل... الظلام دامس في الداخل...لم نتقدم سوى بضعة أمتار حتى حدث شيء عجيب غريب... لقد كنا نحمل عادل ونتقدم إلى داخل الكهف، ورغم مقاومته ورغم صراخه وتشنجاته إلا أننا كنا نسيطر عليه بصعوبة ونتقدم به إلى الداخل... الشيء الغريب هو أن وزن عادل قد زاد وكلما تقدمنا داخل الكهف كلما زاد وزنه، حتى كدنا أن نعجز عن حمله، وفعلاً... لم نتقدم سوى بضعة أمتار أخرى ووضعناه على الأرض لعدم قدرتنا على حمله، فقد عجزنا تماماً عن زحزحته... أمر آخر أصبح يحدث داخل الكهف: لقد سمعنا صوت طنين يأتي من بعيد ويقترب... طنين يشبه طنين النحل.

مدخل الكهف كان يلوح بعيداً بمسافة حوالي عشرة أمتار أو يزيد قليلاً، وكانت الشمس قد غربت تماماً ويكاد يختفي حتى لون الشفق الأحمر، والظلام سيطر على الأفق... صوت الطنين يقترب ويقترب وفجأة... حدث أمر مخيف جداً جداً... أمر لم نكن نتوقعه ولا نحسب حسابه... لقد ازدادت حالة هياج عادل وازدادت... وازدادت... وهوووووب... قطع جميع الحبال مرة واحدة... يا إلهي كيف ازدادت قوته بهذا الشكل؟؟ كيف استطاع أن يفعل ذلك؟؟ لقد كانت الحبال تحيط به إحاطةً تامة، بل وأصبح يشبه المومياء من لف الحبال حول جسمه، ولكم أن تتصوروا ذلك... وفجأة، يقطع كل الحبال مرةً واحدة ويقف، التصقت بهاني من الرعب... نظر إلينا نظرةً يفترض أن لا نشاهدها في ظل ذلك الظلام الذي يغرق فيه الكهف ولكن... بذلك النوع من العيون، لقد شاهدناها فقد كانت عيونه حمراء ملتهبة... نظر إلينا نظرة افتراس انكمشنا على إثرها مع بعض ونحن تكاد قلوبنا تتوقف عن ال... يا إلهي كيف تحول عادل إلى ذلك؟؟

تحرك نحونا وهو يرمقنا بتلك النظرة التي تحوي غضب الدنيا، تقدم نحونا فكادت أن تشل أوصالنا وعجزنا عن الوقوف وإلا لانطلقنا هاربين ولكن فجأة... حدث أمر غريب آخر في عالم الغرائب... لقد شاهدنا مدخل الكهف يغشاه السواد مرة واحدة... حتى اختفى ولم نعد نراه... عند ذلك توقف عادل وصرخ... وحينها فقط سمعنا الصوت الذي كنا نفتقده... صوت نعيق الغربان الذي انطلق من كل مكان... ومع انطلاقته انطلق عادل هارباً... ولكن إلى داخل الكهف... ولا أعرف كيف يستطيع الرؤية في ذلك الظلام الدامس... انطلق بسرعة كبيرة حتى أنه اختفى في لحظة عن أنظارنا... وتوقف صوت الطنين... توقف فجأة... وسمعنا صوت الأجنحة لعدد كبير من الغربان كانت تنطلق بقوة إلى داخل الكهف في أغرب عملية مطاردة حسب اعتقادي... فكل المعطيات كانت توحي بأن هناك مطاردة لعادل من قبل الغربان... صوت نعيق الغربان كان يبتعد ويبتعد... قلت لهاني بصوت مرتجف:
- ماذذذااا سنفعل؟؟؟؟ فأجاب بصوت أكثر ارتجافاً:
- لاأأأأ دررري...
الظلام كان يطبق على الكهف وعلى نفسي، فقد كنت لا أحب العتمة، تلمست الحقيبة وأخرجت مصباحاً كهربائياً وأشعلته... وانطلق نوره يشق ظلام الكهف ويبعث قليلاً من الطمأنينة في نفوسنا، قلت لهاني:
- هيا لندخل ونستطلع الأمر ونبحث عن عادل... كان الفضول في نفسي يتغلب على كل شيء... أريد أن أعرف ماذا حدث في الداخل وماذا يحدث... رغم خوفي الشديد... رغم العتمة التي أكرهها إلا أني أردت أن أعرف ماذا يحدث في الداخل.
تقدمت مع هاني إلى داخل الكهف... أصوات الغربان كانت بعيدةً جداً... كانت تأتي من أعمق أعماق الكهف، كنا نتقدم بسرعة... داخل ذلك الكهف هناك أشياء مرعبة تسكنه... لقد شعرنا بذلك ونحن نتقدم... السؤال الذي كان يطرح نفسه: أين وحيد؟؟ إذا كان هذا مسكنه فلماذا لم نشاهده؟؟

كنت مع صراع في نفسي... بين أن أشاهد وحيد إرضاءً للفضول... وبين أن لا أشاهده فهو ليس من البشر... إذاً هو عفريت... ولكن لم نشاهد أحداً، ومازلنا نتقدم حتى سمعنا صراخ عادل... كان يصرخ ويصرخ... ووجهت الضوء إلى مصدر الصراخ...

يتبع الحلقة 21




قديم 30-12-2017, 04:55 PM
  المشاركه #53
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 21

لكم أن تتصوروا ما حدث... لقد كان عادل واقعا على الأرض، وقد أحاطت بجسمه عشرات الغربان التي كانت تنعق بصوت غاضب، وهو يقاومها ويحرك يديه ليضربها... وعندما وقع ضوء المصباح عليه وقف بقوة كبيرة وانطلق مرة أخرى تتبعه الغربان... وكأنه استمد قوة من ضوء المصباح... أو أن ضوء المصباح أزعج الغربان، عند ذلك... أبعدت ضوء المصباح عن الغربان، وقلت لهاني: هل شاهدت ماذا حدث؟؟ كان هاني يقف مشدوهاً وقال أنه شاهد ذلك.

إبتعدت أصوات الغربان وكذلك صرخات عادل... ابتعدت في أعماق الكهف وتركتنا في حيرة ماذا سنفعل؟؟ التساؤلات تملأ أنفسنا... إذا كانت الغربان عفاريت من الجن فما الذي يضمن أنها لن تهاجمنا؟؟ وماذا إذا كانت كل هذه الأحداث فقط لاستدراجنا إلى الدخول إلى الكهف؟؟ وكيف نثق في وحيد؟؟ الكثير من البشر لا يستحقون أن نثق فيهم رغم أننا نعرفهم معرفة جيدة ومنذ سنوات... فكيف نثق في وحيد هذا الذي لم نعرفه ولم نره إلا في ليلة واحدة فقط؟؟ هل وقعنا في فخ؟؟ خاصةً وأن مدخل الكهف قد اختفى ونحن لا ندري إذا كنا سوف نجده، فالمعطيات لا توحي بذلك... فقد أظلم فجأة واختفى... ثم ماذا إذا عاد عادل وداخله ذلك الوحش الذي لمسنا قوته ووزنه من قطع الحبال؟؟ سوف يمزقنا شر تمزيق، ولن استطيع استعمال المسدس ضد عادل مهما تكن الأسباب... هل ستكتب لنا النجاة؟؟

لقد كنت دائماً متفائلاً... ولكن في هذه اللحظات العصيبة... كل الأمور توحي بأننا لن ننجو... عصفت أفكاري بكل ذلك حتى عجزت عن الوقوف، طلبت من هاني أن نجلس على الأرض... فقد كانت رأسي تدور بشدة... جميع العوامل كانت تساعد على حصول حالة انهيار عصبي أو حالة إغماء، ولكني قاومت كل ذلك، جلسنا على الأرض... ومن بعيد سمعنا صرخات ونعيق وطنين... فتارةً نسمع الطنين وتارةً الصراخ وتارةً أخرى النعيق والأجنحة... المهم أننا انكمشنا في جدار الكهف نترقب الأحداث التي كانت تجري في الداخل.

بعد ذلك حدث أمر آخر... لقد أصبحت جدران الكهف تهتز وتهتز، فقلت لهاني: يا إلهي... إنها هزة أرضية دون شك... ولكن الاهتزاز توقف ليعود بعد لحظات... ثم توقف مرة أخرى، وهكذا... تكرر ذلك حوالي خمس مرات، بعدها سمعنا أصوات غربان تأتي من مدخل الكهف... أصوات غربان كثيرة... وحينها فقط لاح لنا مدخل الكهف على ضوء النجوم والقمر، لنشاهد عدداً كبيراً من الغربان تحوم على مدخل الكهف ولم تدخل... ولكن كانت تطلق أصوات نعيقها بقوة... ماذا يحدث يا ترى؟
إذا كان ما أتصوره هو ما يحدث فستكون طامة كبرى لن ننجو منها على الإطلاق... فقد كانت المعطيات داخل عقلي تقول أن الغربان التي تحوم على مدخل الكهف، هي من نفس فصيلة الكيان الذي يسيطر على عادل، وهم سكان الكهوف السابقة التي دخلنا فيها، وحضورهم يعني أنهم إما يبحثون عن الكيان الذي سيطر على عادل؟؟ أو أنهم يعرفون أنه في الداخل؟؟ وفي كلا الحالتين... الموضوع لا يدعو إلى الطمأنينة... فذلك يعني أنه سوف تحدث حرب بينهم... لا ندري أي نوع من الحروب ستكون، ولا من سينتصر فيها، ونحن نعلق آمالنا على وحيد، الذي ربما يقتل في هذه الحرب... عند ذلك سيكون مصيرنا مصير عادل بدون شك.
أفكار شؤم كانت تدور في رأسي، قبل أن يقاطعها هاني قائلاً: لنترك الأمور تسير مثلما تسير، فقد تعبنا من تحليلها ودعنا ننتظر ما تجود به الأحداث... وكنا لا نملك سوى ذلك...

أصوات الغربان التي كانت تأتي من أعماق الكهف أصبحت تقترب وتقترب... وما هي إلا لحظات حتى شعرنا بشيء يشبه تيار الرياح يمر بجانبنا... حيث اشتد السواد واشتد... ولم يبتعد تيار الرياح عنا حتى سمعنا صوت الغربان مرة أخرى... وعلى مدخل الكهف، وفي مشهد أغرب ما يكون... حطت الغربان على الأرض أو هكذا خيل لنا، فقد كانت الغربان سوداء والكهف مظلماً... ولكن توقعنا أن تكون قد حطت على الأرض، لأننا لم نعد نشاهدها ترفرف... فقط صوت النعيق لم ينقطع... فتارةً نسمعه بقوة... وتارةً بهدوء... وكأن هناك حواراً يدور بينهم... حوار غريب في أحداث غريبة لا تصدق... وأعرف أن هناك الكثير الذين لا يصدقون حرفاً واحداً من هذه القصة، ولكن الجبال موجودة واسمها جبال أكاكوس، وسبق أن نشرت صورها، وفيما بعد علمت أنه حتى الكهوف تسمى بكهوف الجن، لما دارت عنها من حكايات لا يصدقها عقل... والرعب موجود وعالم الجن مؤكد وجوده... وهناك حكاية أخرى سوف أرويها لكم عندما أنتهي من سرد هذه القصة حدثت معي في مزرعة... حكاية غريبة عجيبة... فعالمنا عالم العجائب والغرائب... نحن فقط لم نكتشف ماذا يدور من حولنا... نحن فقط نعيش فى دائرة ضيقة مفرغة المهم كنا نترقب ماذا سيحدث... عندما توقف نعيق الغربان فجأةً... وطارت الغربان التي خارج الكهف، وسمعنا أصواتها تبتعد، أما الغربان التي داخل الكهف، فقد عادت إلى الداخل بنفس الطريقة السابقة، ويبدو أنهم قد حصلت بينهم هدنة أو اتفاق... لا أدري... المهم انتظرنا قليلاً وقلت لهاني: هيا لندخل إلى أعماق الكهف ولنستطلع الأمور... وقفنا وأردنا أن نسير إلى الداخل... عندما انطلقت تلك الصرخة البشرية...

يتبع الحلقة 22




قديم 30-12-2017, 04:58 PM
  المشاركه #54
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 22

لقد كانت صرخات عادل من أعماق الكهف، كانت صرخاته مذعورة... انطلقنا على آثارها نركض إلى أعماق الكهف... فقد شعرنا بعودة صديقنا... كنا نركض وقد نسينا أين نحن... نسينا خوفنا ورعبنا... كل همنا هو أن نصل إلى مكان عادل المسكين الذي كانت صرخاته تتردد في أرجاء الكهف... وعلى ضوء المصباح الكهربائي... شاهدنا عادل المسكين... كان يصرخ ويصرخ وهو جاث على ركبتيه... وعندما شاهدنا انهار المسكين... كان يبكى ويضحك ويصرخ بشكل هستيري... حالته توحي أنه أصيب بانهيار عصبي... من يلومه؟؟ من يمر بموقفه قد يصاب بالجنون... لقد غادره ذلك الكيان ليجد نفسه في ظلمة تطبق عليه من كل مكان... لا يدري أين هو بالتحديد... لقد وقف... قوة السعادة تشبه قوة الخوف... رغم ما أصاب جسمه من إعياء وإنهاك، فقد وقف وعانقنا عناقاً اختلط بالدموع، وهو يتمتم بكلمات الفرحة والشكر لله... وبعد ذلك ترنح وأغمي عليه...لقد تحمل جسده ما لا طاقة له... أسندناه على الأرض ورفعنا رجليه إلى أعلى حتى يعود الدم إلى رأسه... لحظات وعاد إليه وعيه... أخرج هاني من حقيبته علبة عصير عنب ووضع أنبوب الشفط في فم عادل، وقال له أن يشربها... لقد كان منهكاً جداً ويحتاج إلى أقساط من الراحة بعد ما حدث معه... فرحتنا بعودة عادل أنستنا كل شيء... أنستنا الكهف... والعفاريت... ووحيد... والغربان... وكأننا في بيتنا...

قلت لهاني بأن يخرج لنا بعض الأطعمة... أسندنا عادل على جدار الكهف ليتناول معنا الطعام، كان المسكين ينظر إلى آثار الحبال على يديه والتساؤلات تملأ عينيه... وأطلق ذلك السيل من الأسئلة:
- ماذا حدث؟؟ وما الذي أحضرني هنا؟؟ وما هذه الآثار على يدي؟؟
لم يتذكر شيئاً مما حدث، فقلت له لا ندري... لم أرد أن أخبره ولكن المسكين... كنت أحس بما يعتمل بنفسه، فقد قال:
- ماذا حدث؟؟ ولماذا كنت مقيداً؟؟ هل أصبت بالجنون؟؟
عند ذلك ونتيجة إلحاحه الشديد، لم نجد إلا أن نخبره بالحقيقة كاملة، وشاهدنا وجهه يسود ويضطرب، ولكني قلت له بأنه قد انتهى كل شيء... ولكن الشحوب الشديد لم يفارق وجهه.
كانت الساعة حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، وقد أعطت العصائر مفعولها، فقد عادت الدماء إلى وجه عادل الذي لم يتوقف عن الأسئلة، قلت لهم:
- ما رأيكم أن نغادر الكهف. ولكن هاني قال أنه يرى أن نقضي الليلة في الكهف، فنحن لا ندري ماذا ينتظرنا في الخارج في ظل ما حدث... على الأقل بقاؤنا هو أهون الأمرين، وكان كلامه منطقياً، رغم شعورنا بالرعب من هذا الكهف الذي تفاعل من جديد، بعد أن انتهت فرحتنا بعادل قلت لهما:
- عندما نخرج من الكهف لن نبقى لحظة واحدة في هذه الجبال... وأني أقسم أني لن أضع قدمي فيها مرة أخرى... عند ذلك انطلقت ضحكة من أعماق الظلام كادت أن توقف أنفاسنا من الرعب... لننكمش مرة أخرى على بعض... لم يستطع أحدنا النوم، حتى عادل الذي كان منهكاً لم يستطع النوم في كهف العفاريت.

لم نشاهد وحيد.. ولا نريد أن نشاهده... ولا نريد أن نشاهد أحداً... نريد الخروج فقط والذهاب إلى بيوتنا... وكانت أطول ليلة مرت بي في حياتي... رغم أننا أوقدنا شموعاً إلا أن تراقص أضواء الشموع زاد من الرعب، وطوال الليل ونحن نسمع أصوات الغربان... وتارة صوت ذلك الطنين... حاولنا أن نتسلى بأي حكاية، ولكن لم تكن لدينا حكايات... فالمعطيات لا توحي... الساعات تمر بطيئةً مملة... كنا نستمع إلى دقات قلوبنا... هل يعقل أن يحدث ما حدث في عصرنا؟؟؟ حكايتنا هذه لن يصدقها أحد أبداً، ولكن لا يهم، لن نحكيها... المهم أن نعود ونخرج من هذا الكهف وهذه الجبال المرعبة... جبال العفاريت والجن...


يتبع حلقة 23




قديم 30-12-2017, 05:02 PM
  المشاركه #55
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



الحلقة 23 والأخيرة


لم تنقطع الأصوات طوال الليل... وعندما كنت أعلن أننا لن نعود للجبال مرة أخرى، كنا نسمع ضحكات شامتة تنطلق من الظلام... إنه عالم الظلام... عالم الجن... ما الذي أحضرنا إلى هذا المكان؟؟؟ كرهت الصيد وكرهت المغامرات... لم أعد أفكر في شيء... ولا أريد شيئاً سوى العودة إلى منزلي... قلت لنفسي: عندما أعود سوف أكتب هذه القصة للأيام والذكرى مع الرعب... ولم أكن أدري أنها البداية فقط مع الرعب... لم أكن أدري أن رعباً آخر سوف ينتظرني في مزرعة شبه مهجورة... ولكن تلك حكاية أخرى سأحكيها لاحقاً.

مرت اللحظات بطيئةً مرعبة... الساعة بلغت الرابعة صباحاً... ساعة واحدة تفصلنا على إشراق الشمس... ساعة واحدة تفصلنا على الحرية... الحرية من هذا السجن الكبير الذي يقع في جبال أكاكوس... أصوات الغربان تتعالى... أصوات غاضبة كأن هناك سوء تفاهم بينها... يا ألله، أيكون هناك شيء بخصوصنا؟؟ ماذا لو أن هناك من لا يريد خروجنا من هذا الكهف؟؟ لا بد أن تكون هناك مشكلة بخصوص ذلك... وإلا ما الذي نسمعه؟؟

لقد تعالت صرخات الغربان واقتربت أصواتها، وحالتنا يرثى لها... كنا نلتصق بجدار الكهف وننكمش مع بعض، وفجأة توقفت أصوات الغربان، ليسود الهدوء الكهف، ويغرق في ذلك الصمت الرهيب الذي هو أشد رهبةً ورعباً من سماعنا لأصوات الغربان، نصف ساعة فقط وتبدأ الخطوط الأولى للأشعة الذهبية في التسلل، ورغم أنها نصف ساعة فقط إلا أننا كنا نحسها دهراً كاملاً... قلت لهما:
- هيا لنقترب من مدخل الكهف، وعندما تشرق الشمس نخرج من الكهف. حتى إشراق الشمس لم يعد يعني لنا الأمان بعد الذي حدث مع عادل، ولكن كانت خطتي أن نركب سيارتينا وننطلق ونفر من ذلك الجبل الموحش، اقتربنا من مدخل الكهف الذي بدا واضحاً... لكون عيوننا قد تعودت على الظلام، كذلك لأن ضوء الشمس بدأ يتسلل، وهذا ما أشعرنا بالأمان وبث في نفوسنا بعض الطمأنينة... وأخيراً خرجنا من الكهف ثلاثتنا وابتعدنا عنه في خطوات مسرعة... وكأننا نفر من رعب يطاردنا، وبعد حولي ثلاثين متراً من الكهف... التفتت إليه لألقي نظرة أخيرة على كهف الرعب... ولكم أن تتوقعوا من الذي شاهدته واقفاً على باب الكهف؟؟؟

لقد كان هناك شخص واقفاً ولوح لي بيده... شخص لم تكن ملامحه واضحة، ولكن... بدا كأنه وحيد... ولم أجد إلا أن أرفع يدي لألوح له بكل رعب الدنيا... هل تتصورون؟؟ أرفع يدي لألوح لعفريت... الخوف دفعني إلى ذلك... قال هاني في نوع من الدعابة أنه قد نسي كاميرا في الكهف... ولكن حتى لو نسينا مليون دينار في الكهف فلن نعود لاستعادتها، توجهنا نحو سيارتينا وبسرعة كبيرة أدرنا محركات السيارات وانطلقنا... انطلقنا ولم نلتفت إلى الخلف... كنت أقود إحدى السيارتين وبجنبي كان عادل وهاني يقود السيارة الأخرى... انطلقنا... ابتعدنا... وابتعدنا... طوال ساعتين من القيادة الصعبة في تلك الدروب الملتوية لم نتوقف، ولم نتكلم، هدفنا كان أن نبتعد... وأخيراً خرجنا من منطقة الجبال وزدنا من سرعتنا، ولم نتوقف إلا بعد أن بدأت الجبال تلوح بعيدة... عند ذلك توقفنا لنستريح فقد أعيانا التعب.

الجبال كانت تلوح شامخةً من بعيد بمنظرها الرهيب... لا لن أدخل إلى منطقة الجبال مرةً أخرى مهما كانت الأسباب... تم إعداد وجبة فطور دسمة، فقد عادت النفوس المرحة والفرحة وابتعدنا عن الرعب... بعد أن تناولنا الإفطار والشاي... انطلقنا مرةً أخرى رغم التعب والنعاس، إلا أننا كنا نريد أن نبتعد عن هذه الجبال ولم نتوقف إلا في منتصف النهار، فقد تم تزويد السيارتين بآخر كمية من الوقود كنا نحملها معنا، وتناولنا غداءنا على عجل وانطلقنا مرة أخرى، لم نكن نريد أن نبيت ليلةً أخرى في الخلاء، فقد كنا نريد أن نصل إلى أقرب مدينة لنقضي فيها ليلتنا... وأخيراً وصلنا إلى قرية صغيرة، وجدنا بها فندقاً صغيراً، استأجرنا به غرفتين وأخلدنا للنوم.

كان التعب والإرهاق وعدم الشعور بالأمان قد حرمنا من النوم الهنيء، لم أكن أدري كم الساعة؟ ولا أين أنا موجود؟ عندما خيل لي أني سمعت رفرفة أجنحة... فتحت عيني ونظرت إلى الساعة التي كانت حوالي الواحدة ليلاً... يا إلهي، هل استغرقت في النوم كل هذه الفترة؟؟ حوالي تسع ساعات من النوم... أبصرت نافذة الغرفة مفتوحةً رغم أني متأكد أنها كانت مقفلة، دخلت الحمام لأخذ غسل سريعDouche ، وعند خروجي كانت هناك مفاجأة لم أنتبه لها في المرة الأولى عندما استيقظت... كانت الكاميرا الخاصة بهاني موضوعة على الطاولة الصغيرة بالغرفة، كانت مفاجأة بحق!! من الذي أحضر الكاميرا؟؟ خرجت مسرعاً وبيدي الكاميرا، ودخلت إلى الحجرة الثانية حيث عادل وهاني، لأجدهما قد استيقظا... وعندما شاهدا الكاميرا في يدي... غرقا في الضحك... فقد كان ذلك أحد مقالب هاني الذي أدعى أنه نسي الكاميرا، وتسلل إلى غرفتي وفتح النافذة ووضع الكاميرا على الطاولة... وبقية ما حدث كان نتيجة خيالي... ضحكت معهما، حتى في أسوأ الظروف كان هاني يفكر في المقالب. نزلنا إلى مطعم الفندق لنتناول العشاء، وبعد ذلك قضينا ليلتنا في الفندق، لننطلق في الصباح إلى ديارنا، وكل واحد منا يحمل قصةً... لها أحداث ألف ليلة وليلة، ولكن لن نجرأ أن نحدث أحداً بها... سوى أناس مقربين يعرفوننا ويثقون بنا وإلا... سوف نتهم بالكذب...

وهكذا... كانت هذه الأحداث بداية للرعب، الرعب الذي يسكن داخل كل واحد منا، ما يحجبه فقط هو أننا نكون في معظم الأوقات في أماكن التجمعات السكنية، ولو صادفنا الخلاء والسكون والعتمة والوحدانية...لخرج هذا الرعب من داخلنا ليرتسم على وجوهنا .

كانت هذه القصة التي قرأيتها وحببت نقلها لكم لتسليتكم ، وقد أشرت في بدايتها الى المتحدث بها .

وتقبلوا تحياتي وتقديري




قديم 30-12-2017, 05:36 PM
  المشاركه #56
ابو ياسر
رئيس فريق المراقبة
تاريخ التسجيل: Apr 2005
المشاركات: 43,260
 



بيض الله وجهك ونننظر المزيد



كلام جميل للصحابي معاذ بن جبل رضي الله عن كيفية النجاة من الفتن يقول فيه

(( ليتني أعرف أقواما من اهل ذلك الزمان (( يقصد آخر الزمان ووقت الفتن )) لأخبرهم كيف ينجون من الفتن وعندما سئل عن ذلك أجاب ببساطة
إن ما أنت عليه هو الصواب والقادم عليك فتنة فتمسك بما انت عليه وأترك القادم إليك وتجنبه فهو الفتنة

هذا مجمل كلامه رضي الله عنه وفيه النجاة بعد الله من الفتن ))
قديم 30-12-2017, 05:49 PM
  المشاركه #57
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Mar 2012
المشاركات: 8,576
 



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحازمي
بيض الله وجهك ونننظر المزيد
بيض الله وجهك ياريس يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، لقد شرفني تكرمك وتشريفك لموضوعي، تقبل وافر أحترامي وتقديري




قديم 30-12-2017, 06:58 PM
  المشاركه #58
عضو هوامير المميز
تاريخ التسجيل: Aug 2017
المشاركات: 1,497
 



مشكور على القصة ياعاشق القمراء وجزاك الله خير , القصة جميلة لو سلمت بس من عادل ههههه



قديم 30-12-2017, 09:47 PM
  المشاركه #59
كاتب مميز
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 13,680
 



قصة غريبه ومثيرة
دفعني الفضول لأبحث عن صور للجبال في قوقل فعلا سوداء مخيفة
عجِّل علينا بقصة المزرعة

تحياتي لقلمك المبدع ..




قديم 27-12-2020, 10:52 PM
  المشاركه #60
عضو هوامير المميز
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 3,131
 



سبحان الله وجدت نفسي اقراؤها بعد3 سنوات
نسيت تفسي
للرفع







الكلمات الدلالية (Tags)

نعيق

,

الأذهان

,

السر

,

الغربان

,

تذهل

,

في



أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



08:00 AM