مظاهر الفرح والسرور في عيد أهل القبور
قصتنا الليلة تدور أحداثها عن قصة يتناقلها من بقي من شياب أحدى قبائل مملكتنا الغالية اللذين قد تجاوزت أعمارهم السبعين عام ؛ وقد حدثت هذه القصة قبل حوالى خمسون عام ؛ في ديار تلك القبيلة ؛ وقد حدثت هذه القصة في ليلة العيد الثاني ؛ حيث أن أهل تلك الديرة كلهم من قبيلة واحدة وهم يسكنون في عدة قرى متقاربة من بعضها ؛ حيث أنهم لديهم مزارع يقيمون بجوارها.
وقد كانت أيام وليال العيد مقسمة بينهم كل يوم وليلة في قرية من تلك القرى ؛ وفي ليلة العيد الثالث يكون العيد الكبير في القرية الكبيرة التي يوجد بها مركز الأمارة والمدرسة .
وكانت في ذلك الوقت بداية التنقل بالسيارات في تلك القرى ؛ والطرق فيها طرق رملية ممهدة وجبلية وعرة ؛ والسيارات اللتي تستطيع السير مع تلك الطرق هي سيارات الدفع الرباعي أو سيارات النقل الصغيرة ( الونيت ).
وكان الأحتفال في تلك الليلة يآتي له أهل القرى المجاورة ؛ ولا يتخلف عنه الاّ من كان مسافر أو مرتبط لعمل خارج تلك القرى .
فهو أحتفال كبير يحظره جميع أهل القرى ، وقد أُعد له مكان معروف للرجال يقيمون في أحتفالاتهم فيه كل عام .
أما النساء فمكان أحتفالهن بيت شيخ القبيلة ؛ حيث أن منزل شيخ القبيلة له فناء واسع ؛ ومكانه فوق تبة تعلو مزارع النخيل وبيوت أهل القرية.
وكان أحتفال الرجال ؛ يتكون من العرضة بالسيوف ؛ والمحاورة والمجارير ؛ ويستمر الأحتفال حتى منتصف الليل ثم يعود كل رجل منهم إلى منزله مصطحباً معه عائلته.
وفي تلك الليلة ؛ ليلة العيد الكبير كان " ناصر" في مزرعته ؛ حيث وافق ذلك العام موسم جني التمور في وقت العيد ؛ وقد تآخر في مزرعتة إلى بعد صلاة المغرب ؛ فهو لا يهمه أمر التأخر فلديه سيارة جديدة (هايلوكس غمارة) ؛ وقد آتوا إليه رجلان من جماعته بعد صلاة العصر ؛ وذلك للذهاب معه في سيارته ؛ حيث أنهم كبار في السن والقرية اللتي يقام فيها الأحتفال تبعد مسافة خمسة كيلومترات تقريباً ؛ وقد بقوا معه ؛ وصلوا معه صلاة المغرب ثم ركبوا مع "ناصر" في سيارته ؛ وكان ناصر رجل كبير في العمر أيضاً فهو في الخمسينات من عمره ؛ ولكنه نشيط نوعاً ما ؛ وقد أشترى سيارته قبل عدة أشهر وتعلم قيادتها في طرق القرية ؛ ولكنه لم يتقن القيادة تماماً.
وكان الطريق اللذي يوصلهم لمكان الأحتفال يمر مع الوادي بين المزارع ؛ وهو طريق حوله رمال كثيف وعميقة ومتعرج ؛ وقد غفل ناصر عن الطريق أثناء حديثه مع خوياه ؛ فخرج خارج الطريق وعلقت سيارته في الرمال .
وقد حاولوا بشتى الطرق من دفع للسيارة وحفر عن أطاراتها ؛ ولكن الأمر قد أزداد سوء نتيجة سير "ناصر " بالسيارة للأمام في الرمال حتى غاصت الكفرات الأربع وصار من المستحيل أخراجها ؛ وقد أصابهم التعب والأعياء وهم كبار في السن ولا يملكون اللياقة والقوة اللتي تساعدهم على بذل المزيد من العمل لأخراج السيارة ؛ فأستسلموا للأمر الواقع .
والمسافة بين موقع سيارتهم العالقة في الرمال وبين مكان الأحتفال في القرية مسافة بعيدة تقدر بخمسة كيلو مترات ومن الصعب عليهم تجاوزها والوصول إلى مكان الأحتفال قبل منتصف الليل ؛ لاسيما وأن ظلام الليل هو أكبر عائق لهم في سيرهم على أقدامهم ؛ فلا يوجد معهم سلاح يدافعون به عن أنفسهم فيما لو تعرضوا لهجوم من الذئاب المنتشرة كثيراً في تلك القرى ؛ واللتي يشتكي منها أصحاب المواشي ؛ فهي تغير على مواشيهم في ظلام الليل على شكل مجموعات تفرق شمل المواشي وتنفرد بعدد منها بعيداً عن اصحابها ؛ أو قد يتعرضون للدغ ثعابين يدعسون عليها بدون أن يشعروا بها.
فتشاور فيما بينهم في الأمر ؛ وقرروا أن يبقون بجوار سيارتهم ؛ فربما يفتقدونهم جماعتهم في الأحتفال ويقمون بالبحث عنهم وسوف يجدونهم ؛ ويساعدونهم في أخراج سيارتهم من الرمال ؛ أو يا خذونهم معهم ويتركون السيارة حتى الصباح ويقوموا بأخراجها من الرمال.
فجلسوا بجوار السيارة حائرين منتظرين من يفزع لهم من جماعتهم .
وأثناء أنتظارهم وإذ بهم يسمعون صداء أصوات لرجال مقبيلين عليهم مع الوادي ؛ ونظروا تجاه الصوت وإذا بنور خافت ويتحرك يمنه ويسره ؛ فقال أحدهم : لقد آتنا الفرج من حيث لا ننتظر ؛ فهولاء الرجال من جماعتنا الذين يسكنون القرية التي تقع في أسفل الوادي وطريقهم يمر من عندنا وسوف يجدوننا ويساعدونا على أخراج السيارة.
وعندما أقترب منهم النور وإذا بهم يرون مجموعة من الرجال عليهم ثياب ناصعة البياض تظهر على نور الكشاف ؛ فقاموا وقوف في أنتظار وصول أصحاب الكشاف لهم .
ولكن فجاءة أنحرفوا أصحاب الكشاف ودخلوا في أحدى المزارع الواقعة على ضِفاف الوادي .
فنادوا أصحاب السيارة على أصحاب الكشاف طالبين منهم النجدة ؛ ولكن لم يردوا على نداءهم وإستغاثتهم بل أستمروا في سيرهم حتى أختفوا داخل النخيل.
فقالوا أصحاب السيارة لابد أنهم لم يسمعوا لنداءنا عليهم ؛ فأغارو مسرعين تجاهم ؛ وذلك للحاق بهم وطلب الفزعة منهم.
وقد أختفاء عنهم النور فجاءة ؛ فطلعوا على تبة مرتفعة بعد المزرعة ؛ وإذا بالنور يتجه جهة مقبرة واقعة في طرف الوادي يدفنون أهالي تلك القرى مواتاهم فيها منذ مئات السنين .
فجلسوا أصحاب السيارة يراقبون الوضع وإذا بالأنوار تتوافد من كل حدب وصوب تجاة المقبرة ؛ وقد أشعلت النيران وبانت لهم حركات رجال كثيرين يرتدون ثياب بيضاء ناصعة البياض يتنقلون من مكان لمكان.
وسمعوا في المقبرة أصوات لرياجيل ترتفع أصواتهم ثم تنخفض ؛ وكان أحد الأصوات مسموع لهم وهو يرحب ويهلي بالحضور .
فقال أكبر رجل من أصحاب السيارة ؛ أن ذلك الصوت هو يشبه لصوت عمه تماماً اللذي قد دفن في هذه المقبرة قبل عشرين عام ؛ فهو اللذي رباه بعدما مات والده ودفن في أحد الديار اللتي كانوا قد نزلوا بها ؛ ودفن فيها ؛ وقام عمه بتربيته حتى توفى .
فقالوا له خوياه : لا بد أنك واهم ، فقال لهم : جازماً بأنه متأكد بأن ذلك الصوت هو صوت عمه .
وقام واقف ونادى بأعلى صوته ياعم فلان ؛ أنا فلان ولد أخوك فلان .
وفجاءة أنطفاءة الكشافات وعم الهدوء المنطقة ؛ وإذا بأعصار شديد يأتيهم من جهة المقبرة معه غبار أجتاحهم وفي داخله أحجار صغيرة مثل البطحاء تضرب في أيديهم ووجههم وأرجلهم ؛ وقد أقشعرت ظهورهم من أثر ضرب البطحاء فيها .
ففروا هاربين بأتجاه السيارة ؛ وذلك الأعصار يلاحقهم حتى وصلوا لسيارتهم ودخلوا بداخلها وأغلوا عليهم الأبواب والنوافذ ؛ وإذا بسيارتهم تهتز من مكانها وتكاد أن تنقلب على جنبها ؛ فتارة تميل جهة اليمن وتارة تميل للجهة المقابلة ؛ فأيقنوا بأنهم قد وقعوا تحت عِقاب أهل المقبرة .
فأدار صاحب السيارة محركها وعشقها ؛ وإذا بها تنطلق بهم وكأنها تسير في الفضاء حتى تجاوزا تلك الرمال .
وقد أستمروا في سيرهم وهم غير مصدقين بما حصل لهم ؛ وعندما وصلوا مكان الأحتفال لم يخبروا أحد بالقصة اللتي قد حدثت لهم مخافة أن يكذبوهم جماعتهم .
وبعد عدة سنوات قصوا قصتهم المرعبة تلك ؛ وكان هناك مصدقين لهم بأنهم قد شاهدوا مثل ذلك الحدث ؛ من أنوار لا يعرف مصدرها وأصوات غريبة تحدث في أماكن مختلفة القرية .